فصل: المسألة الثانية: هل فعل العبد بإيجاده وتكوينه؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن جزي:

هذا الدعاء دليل على جواز تكليف ما لا يطاق لأنه لا يدعى برفع ما لا يجوز أن يقع ثم إن الشرع دفع وقوعه وتحقيق ذلك أن ما لا يطاق أربعة أنواع الأول عقلي محض كتكليف الإيمان لمن علم الله أنه لا يؤمن فهذا جائز وواقع بالاتفاق والثاني عادي كالطيران في الهواء والثاني عقلي وعادي كالجمع بين الضدين فهذان وقع الخلاف في جواز التكليف بهما والاتفاق على عدم وقوعه والرابع تكليف ما يشق ويصعب فهذا جائز اتفاقا فقد كلفه الله من تقدر من الأمم ورفعه عن هذه الأمة. اهـ.

.أسئلة وأجوبة للفخر:

السؤال الأول:
لم قال في الآية الأولى {لاَّ تَحْمِلُ عَلَيْنَا إِصْرًا} وقال في هذه الآية: {لا تُحَمّلْنَا} خص ذلك بالحمل وهذا بالتحميل.
الجواب: أن الشاق يمكن حمله أما ما لا يكون مقدورًا لا يمكن حمله، فالحاصل فيما لا يطاق هو التحميل فقط أما الحمل فغير ممكن وأما الشاق فالحمل والتحميل يمكنان فيه، فلهذا السبب خص الآية الأخيرة بالتحميل.
السؤال الثاني:
أنه لما طلب أن لا يكلفه بالفعل الشاق قوله: {لاَّ تَحْمِلُ عَلَيْنَا إِصْرًا} كان من لوازمه أن لا يكلفه ما لا يطاق، وعلى هذا التقدير كان عكس هذا الترتيب أولى.
والجواب: الذي أتخيله فيه والعلم عند الله تعالى أن للعبد مقامين:
أحدهما: قيامه بظاهر الشريعة والثاني: شروعه في بدء المكاشفات، وذلك هو أن يشتغل بمعرفة الله وخدمته وطاعته وشكر نعمته ففي المقام الأول طلب ترك التشديد، وفي المقام الثاني قال: لا تطلب مني حمدًا يليق بجلالك، ولا شكرًا يليق بآلائك ونعمائك، ولا معرفة تليق بقدس عظمتك، فإن ذلك لا يليق بذكري وشكري وفكري ولا طاقة لي بذلك، ولما كانت الشريعة متقدمة على الحقيقة لا جرم كان قوله: {وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا} مقدمًا في الذكر على قوله: {لا تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ}.
السؤال الثالث:
أنه تعالى حكى عن المؤمنين هذه الأدعية بصيغة الجمع بأنهم قالوا {لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الذين مِن قَبْلِنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} فما الفائدة في هذه الجمعية وقت الدعاء؟
والجواب: المقصود منه ببيان أن قبول الدعاء عند الاجتماع أكمل وذلك لأن للهمم تأثيرات فإذا اجتمعت الأرواح والدواعي على شيء واحد كان حصوله أكمل. اهـ.

.فصل في مسائل مهمة للفخر:

قال رحمه الله ما نصه:

.المسألة الثانية: هل فعل العبد بإيجاده وتكوينه؟

المعتزلة احتجوا بهذه الآية على أن فعل العبد بإيجاده وتكوينه، قالوا لأن الآية صريحة في إضافة خيره وشره إليه ولو كان ذلك بتخليق الله تعالى لبطلت هذه الإضافة ويجري صدور أفعاله منه مجرى لونه وطوله وشكله وسائر الأمور التي لا قدرة له عليها ألبتة والكلام فيه معلوم وبالله التوفيق، قال القاضي: لو كان خالقًا أفعالهم فما الفائدة في التكليف، وأما الوجه في أن يسألوه أن لا يثقل عليهم والثقيل على قولهم كالخفيف في أنه تعالى يخلقه فيهم وليس يلحقهم به نصب ولا لغوب.

.المسألة الثالثة: فساد القول بالمحابطة:

احتج أصحابنا بهذه الآية على فساد القول بالمحابطة قالوا: لأنه تعالى أثبت كلا الأمرين على سبيل الجمع، فبيّن أن لها ثواب ما كسبت وعليها عقاب ما اكتسبت، وهذا صريح في أن هذين الاستحقاقين يجتمعان، وأنه لا يلزم من طريان أحدهما زوال الآخر، قال الجبائي: ظاهر الآية وإن دل على الإطلاق إلا أنه مشروط والتقدير: لها ما كسبت من ثواب العمل الصالح إذا لم تبطله، وعليها ما اكتسبت من العقاب إذا لم تكفره بالتوبة، وإنما صرنا إلى إضمار هذا الشرط لما بينا أن الثواب يجب أن يكون منفعة خالصة دائمة وأن العقاب يجب أن يكون مضرة خالصة دائمة، والجمع بينهما محال في العقول، فكان الجمع بين استحقاقيهما أيضًا محالًا.
واعلم أن الكلام على هذه المسألة مرّ على الاستقصاء في تفسير قوله تعالى: {لاَ تُبْطِلُواْ صدقاتكم بالمن والأذى} [البقرة: 264] فلا نعيده.

.المسألة الرابعة: الله تعالى لا يعذب الأطفال بذنوب آبائهم:

احتج كثير من المتكلمين بهذه الآية على أن الله تعالى لا يعذب الأطفال بذنوب آبائهم، ووجه الاستدلال ظاهر فيه، ونظيره قوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} [الأنعام: 164].

.المسألة الخامسة: الأصل في الإمساك البقاء والاستمرار:

الفقهاء تمسكوا بهذه الآية في إثبات أن الأصل في الإمساك البقاء والاستمرار، لأن اللام في قوله: {لَهَا مَا كَسَبَتْ} يدل على ثبوت هذا الاختصاص، وتأكد ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: «كل امرئ أحق بكسبه من والده وولده وسائر الناس أجمعين» وإذا تمهد هذا الأصل خرج عليه شيء كثير من مسائل الفقه.
منها أن المضمونات لا تملك بأداء الضمان، لأن المقتضي لبقاء الملك قائم، وهو قوله: {لَهَا مَا كَسَبَتْ} والعارض الموجود، إما الغضب، وإما الضمان، وهما لا يوجبان زوال الملك بدليل أم الولد والمدبرة.
ومنها أنه إذا غصب ساحة وأدرجها في بنائه، أو غصب حنطة فطحنها لا يزول الملك لقوله: {لَهَا مَا كَسَبَتْ}.
ومنها أنه لا شفعة للجار، لأن المقتضي لبقاء الملك قائم، وهو قوله: {لَهَا مَا كَسَبَتْ} والفرق بين الشريك والجار ظاهر بدليل أن الجار لا يقدم على الشريك، وذلك يمنع من حصول الاستواء ولأن التضرر بمخالطة الجار أقل ولأن في الشركة يحتاج إلى تحمل مؤنة القسمة وهذا المعنى مفقود في الجار.
ومنها أن القطع لا يمنع وجوب الضمان، لأن المقتضي لبقاء الملك قائم، وهو قوله: {لَهَا مَا كَسَبَتْ} والقطع لا يوجب زوال الملك بدليل أن المسروق متى كان باقيًا قائمًا، فإنه يجب رده على المالك، ولا يكون القطع مقتضيًا زوال ملكه عنه.
ومنها أن منكري وجوب الزكاة احتجوا به، وجوابه أن الدلائل الموجبة للزكاة أخص، والخاص مقدم على العام، وبالجملة فهذه الآية أصل كبير في فروع الفقه والله أعلم.
ثم اعلم أنه تعالى حكى عن المؤمنين دعاءهم، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء مخ العبادة» لأن الداعي يشاهد نفسه في مقام الفقر والحاجة والذلة والمسكنة ويشاهد جلال الله تعالى وكرمه وعزته وعظمته بنعت الاستغناء والتعالي، وهو المقصود من جميع العبادات والطاعات فلهذا السبب ختم هذه السورة الشريفة المشتملة على هذه العلوم العظيمة بالدعاء والتضرع إلى الله. اهـ.

.قال الألوسي:

وقال الجاربردي في شرح الشافية: معنى الكسب تحصيل الشيء على أي: وجه كان. والاكتساب: المبالغة والاعتمال فيه. ومن ذلك قوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}. وفيه تنبيه على لطف الله تعالى بخلقه، إذ أثبت لهم ثواب الفعل على أي: وجه كان ولم يثبت عليهم عقاب الفعل إلا على وجه مبالغة واعتمال فيه.
قال الزمخشري: لما كان الشر مما تشتهيه النفس وهي منجذبة إليه وأمارة به كانت في تحصيله أعمل وأجد، فجعلت لذلك مكتسبة فيه. ولما لم تكن في باب الخير كذلك لفتورها في تحصيله، وصفت بما لا دلالة له على الاعتمال والتصرف. انتهى.
قال العلامة ابن جماعة في حواشيه: تفرقته بين الكسب والاكتساب هو ما قال الزمخشري وغيره، ونص عليه سيبويه. قال الحلبي: وهو الأظهر. وقال قوم: لا فرق. قالوا: وقد جاء القرآن بالكسب والاكتساب في مورد واحد. قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} [الأنعام: 164] {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَة} [البقرة: 81].
وقال تعالى: {بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} [الأحزاب: 58]. فقد استعمل الكسب والاكتساب في الشر. وقال الواحدي: الصحيح عند أهل اللغة أن الكسب والاكتساب واحد. وفي القاموس: كسبه يكسبه كسبًا، وتكسب واكتسب: طلب الرزق. أو كسب أصاب، واكتسب تصرف واجتهد. ثم قال ابن جماعة: ما ذكره من تنبيه الآية على لطف الله بخلقه إلى آخره، قاله ابن الحاجب في شرح المفصل. وبمعناه قول بعضهم: في الآية إيذان أن أدنى فعل من أفعال الخير يكون للإنسان تكرمًا من الله على عبده، بخلاف العقوبة، فإنه لا يؤاخذ بها إلا من جدّ فيها واجتهد، وقريب منه قول آخر: للنفس ما حصل من الثواب بأي وجه اتفق حصوله، سواء كان بإصابة مجردة أو بتحصيل، وعليها ما حصلته وسعت فيه لا ما حصل من غير اختيار وسعي. نبّه تعالى أن الثواب حاصل لها سواء كان بسعيها واختيارها أو لم يكن كذلك. وأما العقاب فلا يكون عليها إلا بقصدها وتحصيلها.
وما قالوه من الفرق يحتاج إلى ثبت. وقد قال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7- 8] أي: يرى جزاءه. وقال: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]. على أن ترتب الثواب على ما حصل من غير سعي واختيار، إن كان لمباشرة سببه مع الغفلة عنه، فالعقاب أيضًا كذلك. فمن عمل سيئة فعليه إثمها وإثم من عمل بها، وإن صوّر بالإصابة عند أول الالتفات فلا مانع أن يكون العقاب مثله. ومدعي خلافه وعليه البيان. نعم الإصرار شرط، لأن الرجوع يمحوه لكنه قدر زائد على الفعل. وبالجملة فما قاله جار الله حسن، وقد ذكره البيضاوي أيضا. وفي الإعراب الحلبي: الذي يظهر في هذا، أن الحسنات مما تكسب دون تكلف؛ إذ كاسبها على جادة أمر الله ورسم شرعه، والسيئات تكتسب بتكلف؛ إذ كاسبها يتكلف في أمرها خرق حجاب نهي الله تعالى، ويتجاوز إليها. فحسن في الآية مجيء التصريفين إحرازًا لهذا المعنى والله اعلم.
ثم قال ابن جماعة: والمبالغة: من بالغ مبالغة اجتهد ولم يقصر. والاعتمال: من اعتمل أي: عمل بنفسه وأعمل رأيه وآلته. انتهى.
قال البقاعي ولما بشرهم بذلك عرفهم مواقع نعمه من دعاء رتبه على الأخف فالأخف على سبيل التعلي، إعلامًا بأنه لم يؤاخذهم بما اجترحوه نسيانًا، ولا بما قارفوه خطأ، ولا حمل عليهم ثقلًا، بل جعل شريعتهم حنيفية سمحاء. ولا حملهم فوق طاقتهم. مع أن له جميع ذلك. وأنه عفا عن عقابهم ثم سترهم فلم يخجلهم بذكر سيئاتهم. ثم رحمهم بأن أحلّهم محل القرب فجعلهم أهلًا للخلافة. فلاح بذلك أنه يعلي أمرهم على كل أمر. ويظهر دينهم على كل دين. وإذ كان سبحانه هو الداعي عنهم. وليكون الدعاء كله محمولًا على الإصابة ومشمولًا بالإجابة فقال تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا} أي: لا تعاقبنا: {إِن نَّسِينَا} أمرك ونهيك: {أَوْ أَخْطَأْنَا} أي: ففعلنا خلاف الصواب، تفريطًا ونحوه.
وقد ولع كثير من المفسرين هاهنا بالبحث في أن النسيان الخطأ معفو عنهما، فما فائدة طلب العفو عنهما؟ وأجابوا عن ذلك بوجوه. وأرق جواب رأيته قول العلامة بير محمد في المدحة الكبرى: لما كان طالب العفو الرسول والأنصار والمهاجرون، ومن كان على شاكلتهم، فكأنهم يعدّون النسيان من العصيان، والخطأ من الخطيئة. كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60].
وقيل في معنى الآية: لا تعاقبنا إن تركنا أمرك أو اكتسبنا خطيئة. على أن يكون النسيان بمعنى الترك. والخطأ من الخطيئة. وعليه فلا إيراد، والله أعلم.
{رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا} أي: عهدًا يثقل علينا.
قال الحرالي: الإصر: العهد الثقيل الذي في تحمله أشد المشقة: {كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} وهو ما كلَّفه بنو إسرائيل مما يهدّ الأركان. ولا بأس بالإشارة إلى جمل مما حملوه من الآصار. ننقله عن أسفارهم تأكيدًا لما يحمل على الشكر على تخفيف ذلك عنا، وتعظيمًا لمنته تعالى، فلله الحمد فنقول: في سفر الخروج في الأصحاح الثاني عشر: (15) سبعة أيام تأكلون فطيرًا. اليوم الأول تعزلون الخمير في بيوتكم. فإن كل من أكل خميرًا من اليوم الأول إلى اليوم السابع تقطع تلك النفس من إسرائيل.
وكل هذا الأصحاح آصار شاقة.
وفي السفر المذكور، في الأصحاح الحادي والعشرين.
(15) ومن ضرب أباه أو أمه يقتل قتلًا.
(16) ومن سرق إنسانًا وباعه أو وجد في يده يقتل قتلًا.
(17) ومن شتم أباه أو أمه يقتل قتلًا.
(27) وإن أسقط سن عبده أو سن أمته يطلقه حرًا عوضًا عن سنه.
(28) وإذا نطح ثور رجلًا أو امرأة فمات يرجم الثور ولا يؤكل لحمه، وأما صاحب الثور فيكون بريئًا.
(29) ولكن إن كان ثورًا نطاحًا من قبل وقد أشهد على صاحبه ولم يضبطه فقتل رجلًا أو امرأة، فالثور يرجم وصاحبه أيضًا يقتل.
وفي السفر المذكور، في الأصحاح الثالث والعشرين.
(10) وست سنين تزرع أرضك وتجمع غلتها.
(11) وأما في السابعة فتريحها وتتركها ليأكل فقراء شعبك. وفضلتهم تأكلها وحوش البرية، كذلك تفعل بكرمك وزيتونك.
(12) ستة أيام تعمل عملك. وأما اليوم السابع ففيه تستريح لكي يستريح ثورك وحمارك ويتنفس ابن أمتك والغريب.
(19) أول أبكار أرضك تحضره إلى بيت الرب إلهك.
وفي سفر العدد، في الصحاح الخامس عشر.
(37) وكلم الرب موسى قائلًا.
(38) كلم بني إسرائيل وقل لهم: أن يصنعوا لهم أهدابًا في أذيال ثيابهم في أجيالهم ويجعلوا على هدب الذيل عصابة من أسمانجوني.
(39) فتكون لكم هدبًا فترونها وتذكرون كل وصايا الرب وتعملونها.
وفي السفر المذكور، في الأصحاح التاسع عشر:
(11) من مس ميتًا ميتة إنسان ما يكون نجسًا سبعة أيام.
(12) يتطهر به في اليوم الثالث، وفي السابع يكون طاهرًا. وإن لم يتطهر في اليوم الثالث ففي اليوم السابع لا يكون طاهرًا.
(13) كل من مس ميتًا ميتة إنسان قد مات ولم يتطهر ينجّس مسكن الرب. فتقطع تلك النفس من إسرائيل، لأن ماء النجاسة لم يرش عليها تكون نجسة. نجاستها لم تزل فيها.
(14) هذه هي الشريعة. إذا مات إنسان في خيمة فكل من دخل الخيمة وكل من كان في الخيمة يكون نجسًا سبعة أيام.
(15) وكل إناء مفتوح ليس عليه سداد بعصابة فإنه نجس.
(16) وكل من مسّ على وجه الصحراء قتيلًا بالسيف أو ميتًا أو عظم إنسان أو قبرًا يكون نجسًا سبعة أيام. وتمام الفصل المذكور كيفية الطهارة من هذه النجاسة الشاقة جدًا.
وفي السفر المذكور في الأصحاح الخامس والثلاثين:
(31) ولا تأخذوا فدية عن نفس القاتل المذنب للموت بل إنه يقتل.
وفي سفر التثنية، في الأصحاح الخامس عشر.
(19) كل بكر ذكر يولد من بقرك ومن غنمك تقدسه للرب إلهك. لا تشتغل على بكر بقرك ولا تجزَّ بكر غنمك.
وفي سفر الخروج، في الأصحاح الرابع والثلاثين:
(20) وأما بكر الحمار فتفديه بشاة. وإن لم تفده تكسر عنقه. كل بكر من بنيك تفديه.
وفي سفر اللاويين، في الأصحاح الرابع:
(1) وكلم الرب موسى قائلًا.
(2) كلم بني إسرائيل قائلًا: إذا أخطأت نفس سهوًا في شيء من جميع مناهي الرب التي لا ينبغي عملها وعملت واحدة منها.
(3) إن كان الكاهن الممسوح يخطئ لإثم الشعب يقرّب عن خطيئته التي أخطأ ثورا ابن بقر صحيحًا للرب. ذبيحة خطية.
وكيفية ذلك حرجة جدًا. انظرها.
وفيه، في الأصحاح الخامس:
(1) أو إذا مس أحد شيئًا نجسًا جثة وحش نجس أو جثة بهيمة نجسة أو جثة ديبٍ نجس وأخفى عنه فهو نجس ومذنب.
(5) فإن كان يذنب في شيء من هذه يقرّ بما قد أخطأ به.
(6) ويأتي إلى الرب بذبيحة لإثمه عن خطيئته التي أخطأ بها أنثى من الأغنام نعجة أو عنزًا من المعز ذبيحة خطية فيكفر عنه الكاهن من خطيئته.
والأصحاح المذكور كله آصار.
وكذا الأصحاح السادس بعده كله آصار.
وفي الأصحاح الحادي عشر تحريم بعض الطيور وفي آصار كثيرة، منها:
(33) وكل متاع خزف وقع فيه منها فكل ما فيه يتنجس، وأما هو فتكسرونه.
وفي الأصحاح الثاني عشر أحكام النفساء عندهم والفرق بين ولادتها ذكرًا وأنثى. وإنها في الأول تكون نجسة أسبوعًا، ثم ثلاثًا وثلاثين يومًا. وفي الثاني أسبوعين ثم ستة وستين يومًا.
وعن تمام أيام طهرها تأتي بكيس كفارة عنها.
وفي الأصحاح الخامس عشر تشريعات لذوي الجراحات.
وفي ذلك آصار كبرى. انظرها.
وفيه أيضًا أحكام الحائض والآصار في شأنها. ومنها:
(19) وكل من مسها يكون نجسًا إلى المساء.
(20) وكل ما تضطجع عليه في طمثها يكون نجسًا، وكل ما تجلس عليه يكون نجسًا.
(21) وكل من مس فراشها يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجسًا إلى المساء.
وفي الأصحاح السابع عشر:
(15) وكل إنسان يأكل ميتة أو فريسة وطنيًا كان أو غريبًا يغسل ثيابه ويستحم بماء ويبقى نجسًا إلى المساء.
وفي الأصحاح التاسع عشر:
(23) ومتى دخلتم الأرض وغرستم كل شجرة للطعام تحسبون ثمرها غلتها. ثلاث سنين تكون لكم غلفاء، لا يؤكل منها.
(24) وفي السنة الرابعة يكون كل ثمرها قدسًا لتمجيد الرب.
(25) وفي السنة الخامسة تأكلون ثمرها، لتزيد بكم غلتها. أنا الرب إلهكم.
(27) لا تقصروا رؤوسكم مستديرًا ولا تفسد عارضيك.
وفي الأصحاح الخامس والعشرين:
(3) ست سنين تزرع حقلك وست سنين تقضب كرمك وتجمع غلتهما.
(4) وأما السنة السابعة ففيها يكون للأرض سبت عطلة سبتًا للرب. لا تزرع حقلك ولا تقضب كرمك.
(5) زريع حصيدك لا تحصد وعنب كرمك المحول لا تقطف. سنة عطلة تكون للأرض.
(6) ويكون سبت الأرض لكم طعامًا. لك ولعبدك ولأمتك ولأجيرك ولمستوطنك النازلين عندك.
(7) ولبهائمك وللحيوان الذي في أرضك تكون كل غلتها طعامًا.
وفي سفر التثنية، في الأصحاح الحادي والعشرين.
(18) وإذا كان لرجل ابنٌ معاندٌ وماردٌ ولا يسمع لقول أبيه ولا لقول أمه ويؤدبانه فلا يسمع لهما.
(19) يمسكه أبوه وأمه ويأتيان به إلى شيوخ مدينته وإلى باب مكانه.
(20) ويقولون لشيوخ مدينته: ابننا هذا معاند ومارد لا يسمع لقولنا وهو مسرف وسكّير.
(21) فيرجمه جميع رجال مدينته بحجارة حتى يموت.
وفيه، في الأصحاح الثاني والعشرين:
(10) لا تحرث على ثور وحمار معًا.
(11) لا تلبس ثوبًا مختلطًا صوفًا وكتانًا معًا.
وفيه، في الأصحاح الرابع والعشرين:
(1) إذا أخذ رجل امرأة، وتزوج بها فإن لم تجد نعمة في عينيه؛ لأنه وجد فيها عيب شيء وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته.
(2) ومتى خرجت من بيته ذهبت وصارت لرجل آخر.
(3) فإذا أبغضها الرجل الأخير، وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته، أو إذا مات الرجل الأخير الذي اتخذها له زوجة.
(4) لا يقدر زوجها الأول الذي طلقها أن يعود بأخذها لتصير له زوجة بعد أن تنجست؛ لأن ذلك رجس لدى الرب.
وهذه نبذة يسيرة من الآصار التي كانت على الإسرائيليين ولم يشرعها لنا مولانا بفضله وكرمه له الحمد، إنه أرحم الراحمين.
{رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} أي: من بليات الدنيا والآخرة. فالدعاء الأول في رفع شدائد التكليف، وهذا في رفع شدائد البليات. ويقال: هو تكرير للأول وتصوير للإصر بصورة ما لا يستطاع مبالغة {وَاعْفُ عَنَّا} أي: تجاوز عن ذنوبنا ولا تعاقبا: {وَاغْفِرْ لَنَا} أي: غطّ على ذنوبنا واعف عنها: {وَارْحَمْنَا} أي: تفضل علينا بالرحمة مع كوننا مقصرين مذنبين: {أَنتَ مَوْلاَنَا} أي: ولينا وناصرنا: {فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} فإن من حق المولى أن ينصر عبده ومن يتولى أمره على الأعداء.
وفيه إشارة إلى أن إعلاء كلمة الله والجهاد في سبيله تعالى، حسبما أمر في تضاعيف السورة الكريمة، غاية مطلبهم.
قال البقاعي: فتضمن ذلك وجوب قتال الكافرين. وأنهم أعدى الأعداء. وأن قوله: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ليس ناهيًا عن ذلك، وإنما هو إشارة إلى أن الدين صار في الوضوح إلى حد لا يتصور فيه إكراه. بل ينبغي لكل عاقل أن يدخل فيه بغاية الرغبة فضلًا عن الإحواج إلى إرهاب. فمن نصح نفسه دخل فيه بما دل عليه عقله، ومن أبى دخل فيه قهرًا بنصيحة الله التي هي الضرب بالحسام ونافذ السهام.
وقد ورد في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى قال عقب كل دعوة من هذه الدعوات: قد فعلت».
وقد روى البخاري والجماعة عن أي: مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة، في ليلة، كفتاه».
وروى الإمام أحمد عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت خواتيم سورة البقرة من بيت كنز من تحت العرش، لم يعطهن نبي قبلي».
وأخرج مسلم عن ابن مسعود قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم: انتهى به إلى سدرة المنتهى، وهي في السماء السادسة. إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض، فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها، فيقبض منها. قال: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم: 16]، قال: فراش من ذهب قال، فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغُفِر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئًا، المقحمات.
وعن ابن عباس قال: بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضًا من فوقه، فرفع رأسه فقال: «هذا باب من السماء فتح اليوم، لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض. لم ينزل قط إلا اليوم. فسلّم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة. لن تقرأ حرفًا منهما إلا أعطيته». رواه مسلم والنسائي. وهذا لفظ مسلم.
وأخرج الترمذي والنسائي والدرامي والحاكم وصححه، عن النعمان بن بشير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كتب كتابًا قبل أن يخلق السموات الأرض بألفي عام. أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة. ولا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان».
وأخرج عبد بن حميد في مسنده عن الحسن: أنه كان إذا قرأ آخر البقرة قال: يا لك نعمة..! يا لك نعمة.
هذا، وقد روي في فضل سورة البقرة أحاديث كثيرة... منها ما أخرجه مسلم والترمذي من حديث النواس بن سمعان قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدمه سورة البقرة وآل عِمْرَان» وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال: «كأنهما عمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق. أو كأنهما حزقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما».
وأخرج أحمد والحاكم والدارمي عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا سورة البقرة. فإن أخذها بركة. وتركها حسرة. ولا تستطيعها البطلة. تعلموا البقرة وآل عِمْرَان فإنهما هما الزهراوان يجيئان يوم القيامة كأنهما غماماتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تجادلان عن صاحبهما».
وأخرج أحمد ومسلم والترمذي عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر. إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة». ولفظ الترمذي: «وإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان».
وأخرج سعيد بن منصور والترمذي والحاكم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل شيء سنام وإن سنام القرآن سورة البقرة. وفيها آية هي سيدة آي القرآن. آية الكرسي».
فائدة:
قال ابن القيم: تأمل خطاب القرآن تجد ملكًا له الملك كله، وله الحمد كله، أزمّة الأمور كلها بيده، ومصدرها منه، وموردها إليه، مستويًا على العرش، لا تخفى عليه خافية من أقطار مملكته، عالمًا بما في نفوس عبيده، مطلعًا على أسرارهم وعلانيتهم، منفردًا بتدبير المملكة، يسمع ويرى ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهين، ويخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويقدر ويقضي ويدبر، الأمور نازلة من عنده، دقيقها وجليلها، وصاعدة إليه لا تتحرك ذرة إلا بإذنه، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه. فتأمل كيف تجده يثني على نفسه، ويمجد نفسه، ويحمد نفسه، وينصح عباده ويدلهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم ويرغبهم فيه، ويحذرهم مما فيه هلاكهم، ويتعرف إليهم بأسمائهم وصفاته، ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه! يذكرهم بنعمه عليهم، ويأمرهم بما يستوجبون به تمامها. ويحذّرهم من نقمه، ويذكرهم بما أعد لهم من الكرامة إن أطاعوه، وما أعد لهم من العقوبة إن عصوه، ويخبرهم بصنعه في أوليائه وأعدائه، وكيف كانت عاقبة هؤلاء وهؤلاء، ويثني على أوليائه بصالح أعمالهم وأحسن أوصافهم، ويذم أعداءه بسيء أعمالهم وقبيح صفاتهم، ويضرب الأمثال، وينوّع الأدلة والبراهين، ويجيب عن شبه أعدائه أحسن الأجوبة، ويصدق الصادق، ويكذب الكاذب، ويقول الحق، ويهدي السبيل، ويدعو إلى دار السلام ويذكر أوصافها وحسنها ونعيمها، ويحذر من دار البوار، ويذكر عذابها وقبحها وآلامها. ويذكر عباده فقرهم إليه وشدة حاجتهم إليه من كل وجه. وأنهم لا غنى لهم عنه طرفة عين، ويذكرهم غناءه عنهم وعن جميع الموجدات. وأنه الغني بنفسه عن كل ما سواه. وكل ما سواه فقير إليه. وأنه لا ينال أحدٌ ذرة من الخير فما فوقها إلا بفضله ورحمته. ولا ذرة من الشر فما فوقها إلا بعدله وحكمته. وتشهد من خطابه عتابه لأحبابه ألطف عتاب.
وأنه مع ذلك مقيل عثراتهم، وغافر زلاتهم، ومقيم أعذارهم، ومصلح فسادهم، والدافع عنهم، والحامي عنهم، والناصر لهم، والكفيل بمصالحهم والمنجي لهم من كل كرب، والموفي لهم بوعده.
وأنه وليهم الذي لا ولي لهم سواه، فهو مولاهم الحق، وينصرهم على عدوهم، فنعم المولى ونعم النصير.
وإذا شهدت القلوب من القرآن ملكًا عظيمًا جوادًا رحيمًا جميلًا هذا شأنه، فكيف لا تحبه، وتنافس في القرب منه، وتنفق أنفاسها في التودد إليه، ويكون أحب إليها من كل ما سواه، ورضاه آثر عندها من رضى كل من سواه؟ وكيف لا تلهج بذكره وتصير حبه والشوق إليه والأنس به هو غذاؤها وقوتها ودواؤها، بحيث إن فقدت ذلك فسدت وهلكت ولم تنتفع بحياتها؟!.
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء حزننا، وأعنِّا على إكمال ما قصدناه بفضلك. يا أرحم الراحمين. اهـ.